تعاني المجتمعات المعاصرة معاناة أليمة من مشكلة أمنية واجتماعية خطيرة، تهدد الأمة ومستقبلها وتهدد مصالح الفرد والأسرة والمجتمع، وهي مشكلة المخدرات، سواء بتعاطيها أو التجارة فيها. والمخدرات ليست جديدة بصفتها مادة، كان يتعاطاها بعض الأفراد في بعض المجتمعات، ولكن خطورتها تكمن في أنها أصبحت ظاهرة تتزايد يوماً بعد يوم؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أغلب متعاطيّ المخدرات من فئة الشباب المقبلين على الحياة، الذين يمثلون حاضر الأمة والمستقبل لها كذلك، وهم القوة الدافعة لعجلة الإنتاج والتنمية فيها، وعندها يجب أن تتوقف الأمة طويلاً لتنظر في حاضرها ومستقبلها من خلال هذه المشكلة التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع بأسره والأمة كلها. هذه الدراسة تعني بقضية المخدرات والعوامل المرتبطة بها، إذ لاتستطيع حصر عوامل انتشارها في عامل من العوامل لأن معرفة العوامل المرتبطة بالمشكلة هو المدخل الصحيح لطريقة التعامل معها ومحاولة حلها؛ على أن مشكلة المخدرات لها أثار اجتماعية وصحية ونفسية سنحاول التعرض لها من خلال دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية لتعاطي المخدرات؛ على أن تقدم مدخلاً لعلاج مشكلة تعاطي المخدرات والتخفيف من آثارها في إطار أبعاد ثلاثة هي: البعد البنائي القائم على قيام كل من الأسرة والمجتمع والفرد بدور في مواجهة المشكلة، والبعد الوقائي وهو المعنى بحثّ الأفراد من الوقوع فريسة لهذا الخطر المدمر، ثم البعد العلاجي وهو ما يجب اتباعه لمعالجة من انحرافوا ممن تعاطوا المخدرات وذلك عن طريق بذل جهود فردية وأسرية وحكومية من مصحات وأطباء لمواجهة هذه المشكلة مواجهة فعالة. وقد قامت المملكة العربية السعودية بدور ملموس في معالجة هذه الظاهرة وتعاملت مع المتعاطين بصفتين: الأولى: أن المتعاطي أخطأ فيأخذ جزاءه، والثانية: أنه مريض فيأخذ علاجه؛ ووضعت من التدابير وسنّت من القوانين ما خفف من آثار هذه المشكلة على المجتمع قياساً بالمجتمعات الأخرى. وتتم مواجهة هذه المشكلة مواجهة شاملة من خلال الأبعاد الثلاثة الآتية:
البعد البنائي : ويشمل:
أ) تربية الشعور الإيماني، وهذا عنصر على درجة كبيرة من الأهمية لأننا إذا قمنا ببناء الإنسان من الداخل فإننا بذلك إنما نقوم بتحصينه تحصيناً قوياً ضد كل الشرور، وبدون هذا البناء فإن المحاولات الأخرى إنما هي محاولات خارجية قد تؤثر ولكنها غير مضمونة في كل زمان ومكان، والتربية هذه لاتأتي بمواعظ وخطب ونصائح فقط وإنما يتم ذلك من خلال منهج تربوي قويم، لا يقوم على المنع والزجر ولا يقوم على التدليل وإنما يتبع منهجاً وسطاً بين الشدة واللين، تكون فيه الأسئلة مجابة، والصراحة والسكينة والحب هي الأسس التي يدار عليها الحوار، ويستفاد في هذا المنهج التربوي من كافة إمكانات المجتمع وطاقاته من إعلام مسموع أو مرئي أو مقروء، والمدرسة والشارع والجامعة والمسجد والأسرة، كل له دور عليه أن يؤدية ويربي الإنسان من خلال هذا المنهج على حب الله والأمل في الله والخوف منه سبحانه والرجاء فيما عنده. وتربية القلب بأن يتعلق بالله فإذا تعلق بالله هجر ماسواه، وإذا شغل القلب بمحبة الله سبحانه انشغل عن محبة ماسوى الله سبحانه وتعالى، ونعم الحب ذلك، فهو الحب الأبدي الطاهر، وإذا أحب الإنسان ربه فإنه لا يعصيه.
تعصي إلاله وأنت تزعم حبههذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعتهإن المحب لمن يحب مطيع
وإذا أحب الإنسان ربه فإنه يطيعه ويخلص له العمل، ويتفانى في سبيل رضاه ويحاول جاهداً ألاّ تقع عين ربه عليه وهو في حال يخجل منه.
ب) توجيه نظام التربية والتعليم توجيها يؤدي إلى تربية ونمو الشعور الإيماني في نفوس الناشئة وينميّ فيهم الشعور بالانتماء والاعتزاز، الانتماء إلى عقيدة سامية وأمة عظيمة ووطن حبيب على القلوب.
ج) قيام الأسرة بواجبها. والمعلوم أن الأسرة تقوم بمهام عديدة من الإنجاب والتنشئة والتربية والرعاية والتوجيه، ومسؤوليات الأسرة نفسية وعاطفيه واجتماعية واقتصادية وتربوية وقضائية وضبطية، وإذا لم تقم الأسرة بهذه المهام جميعاً فإن خللاً لابد وأن يحدث، كيف يمكن أن يربّى الجيل على الإيمان بالله، وعلى الخلق الكريم إذا لم تقم الأسرة بذلك؟! كيف يمكن أن تختار الأسرة ما يمكن أن يعرض في أجهزة الإعلام إذا لم تقم الأسرة بمهمتها، كيف يمكن أن يوجَّه الجيل إذا تولّى الخدم والسائقون هذه المهمة عوضاً عن الأبوين؟ كيف يتم توجيه الجيل إذا كان الأب مشغولاً بأعماله وسفراته والأم بحفلاتها وموضاتها، والإخوة بسياراتهم والأخوات بأزيائهن وهواتفهن، والجميع يعيش في فندق صغير كل واحد له مواعيده الخاصة به في الأكل والنوم والحضور والغياب والاهتمامات؟ ولذلك فإن على الأسرة أن تقوم بدورها في التربية والتوجيه والرعاية قبل أن تلوم أحداً أو تعلق أخطاءها على غيرها.
د) أبراز القدوة الحسنة في البيت والمدرسة وأجهزة الإعلام والملاعب وغيرها.
ه) الاهتمام برسالة المسجد التربوية إذ المسجد ملتقى اجتماعي وعبادي خطير، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينطلق دائماً في معظم أعماله من المسجد، كان يجهز الجيوش في المسجد وكانت صلاته وتسبيحه وطعامه وشرابه ينطلق من وإلى المسجد، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد من سفر بدأ بدخول المسجد.
و) شغل أوقات فراغ الشباب بالأعمال النافعة والمفيدة للمجتمع لأن الشباب في كل الأمم طاقة جبارة إذا لم تشتغل في النافع انشغلت بالضار وإذا لم تشتغل في الخير استغلّت في الشر، فشغلهم بالعبادات والطاعات والذكر والرياضة والمطالعة وتعلم بعض الحرف المفيدة كل ذلك من شأنه أن يبني جيلاً من الشباب على أساس القوة البدنية والذهنية والعاطفية لايستهان بها ويومئذ لن يجد شيطان من الإنس أو الجن موضع قدم له بين شبابنا أو أبنائنا.
البعد الوقائي:يقولون إن الوقاية خير من العلاج وإن سهماً من الوقاية خير من فدان من العلاج، ونقصد بالبعد الوقائي الأساليب التي يجب أن نتجنبها لكي لا نقع في الشرور، وأفضل وقاية للمجتمع وأفراده هي تجنّب ما حرم الله وتجنّب الشبهات التي تقود إلى المحرمات، ومن الأساليب الوقائية:
- الحدُّ من العمالة الأجنبية إلا لضرورة، مع تحري اختيار الأفضل خلقاً وعلماً وديناً.
- الحدُّ من السياحة والسفر لغير المحتاجين لذلك والسفر من أجل تحصيل علم أو سعي على رزق أو جلب منافع أو سياحة بريئة وفي المقابل تشجيع وفتح أبواب السياحة الداخلية.
- تحري الدقة في الجمارك ومنافذ الدخول إلى البلاد خصوصاً على المنافذ التي يفد إليها رعايا من الدول المعروف عنها تجارة المخدرات وترويجها.
- القضاء على المخدر في مراكزه الإنتاجه؛ والمسؤولية فى ذلك تقع على الجميع، فردياً ووطنياً وعالمياً، وذلك عبر زيادة التعاون الفعال مع الدول في مجال مكافحة المخدرات.
- التوعية بأضرار المخدرات عبر قنوات التوعية المختلفة، وسن قوانين العمل التي تحظر العمل على متعاطي المخدرات وتجريم ذلك الفعل في أماكن العمل والأماكن العامة لعدم انتشاره بين الناس عبر تدرج هاديء ومنظم.
- إن من أبرز الوسائل الوقائية هي العقوبة لمن يهرب أو يروج (مكرراً) المخدرات أو يتعاطاها، وليس أدل على ذلك من الأثر الإيجابي الكبير الذي تركته فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة المتوجة بالموافقة السامية بقتل المهرب للمخدرات والمروج الذي تكرر منه ذلك، وتطبيقه فعلاً حيث نجد من آثاره :
- ما صرّح به صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية من أن تهريب المخدرات وانتشارها قد انخفض بنسبة 45-40% بعد صدور وتنفيذ القرار.
- ماثبت من تقارير موثوقة من ارتفاع قيمة المخدرات ارتفاعاً باهظاً بعد صدور القرار، وهو مؤشر حقيقي على تأثير القرار على الكمية المهربة والمروجة ومن ثم فإن من وقع في شر التعاطي يضطر إلى أن يدفع أكثر لأن المعروض أقل.
- ازدياد وعي الناس بخطورة المخدرات، فصدور الفتوى من هيئة كبار العلماء وتصديق المقام السامي عليها وإعلانها من قبل صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ومن ثم تطبيقها، جعل بعض الذين لم تكن لديهم فكرة عن المخدرات وخطورتها يدركون أن الأمر جد خطير، ولو لم يكن بهذه الخطورة لما وصل الأمر إلى مرحلة القتل.
- "إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" وصدور القرار له إيجابيته الردعية للمهرب والمروج أو من تسول له نفسه القيام بذلك، إضافة إلى إيجابيته الوقائية، حيث يقي المجتمع من إدخال المخدرات بهذا المنع الحازم.
البعد العلاجي:
وهو ما يجب اتباعه لمعالجة من انحرفوا ممن تعاطوا المخدرات وذلك بجهود فردية أسرية ومجتمعية وحكومية من مصحّات وأطباء لمواجهة هذه المشكلة مواجهة إيجابية، ومن ذلك إنشاء مراكز طبية خاصة، والتعامل مع المتعاطي بصفتين: بصفة أنه أخطأ فيأخذ جزاءه، وبصفة أخرى أنه مريض فيأخذ علاجه. وبعد ذلك تعد برامج لاحقة تعنى بهم بعد انتهاء فترة العلاج أو العقاب تشمل متابعته من جهة وإشغالاً لوقت فراغه من جهة أخرى حتى لا يعود إلى شر المخدرات مرة أخرى
المراجع:
1- آل سعود، سيف الإسلام، تعاطي المخدرات في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهي: المملكة العربية السعودية والبحرين، والكويت: دارسة استطلاعية للعوامل المؤثرة في ازدياد تعاطيها وأساليب الوقاية والعلاج، الرياض.
1- أبا الرقوش، جمعان، دراسة لبعض عوامل السوء النفسي لمتعاطي المخدرات في المملكة العربية السعودية. مكة المكرمة، 1404ه، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى جامعة أم القرى.
3- البار محمد علي، المخدرات الخطر الداهم.
4- ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى، مكة المكرمة، مطبعة الحكومة، المجلد (34) الطبعة الأولى، 1386ه.
5- ابن خلدون، عبدالرحمن، مقدمة ابن خلدون، بيروت، دار القلم، الطبعة الأولى 1978م.
6- ابن ماجه، الحافظ، سنن ابن ماجه، بيروت، دار إحياء التراث العربي 1373ه.
7- ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، مصر.
8- أبو داود، سليمان، سنن أبي داود، القاهرة، دار إحياء السنة النبوية، الطبعة السابعة.
9- ابو العزائم، جمال، دور العيادة الخارجية في علاج الإدمان، القاهرة، المكتب الدولي العربي لشؤون المخدرات، 1971م.
10- ببجو ونسل، الإدمان أقوى دافع اصطناعي، ترجمة: فاروق سيد.
11- أحمد، سمير نعيم، تعاطي المخدرات: آثارها الاجتماعية والاقتصادية. القاهرة، المكتب الدولي العربي لشؤون المخدرات، 1971م.
12- الدوري، عدنان، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي، الكويت، ذات السلاسل، 1976م.
13- الربايعة، أحمد، أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة. الرياض، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، 1404، 1984م.
14- السمالوطي، نبيل، الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، جدة، دار الشروق، 1983م.
15- الطخيس، إبراهيم، دراسات في علم الاجتماع الجنائي، الرياض، دار العلوم للطباعة والنشر، 1403ه - 1983م.
16- سويف، مصطفى، أيديولوجية الحشيش، قراءات في علم النفس الاجتماعي في الوطن العربي، الهيئة العامة للكتاب، 1979م.
17- عبدالقادر، رسمية، تعاطي المخدرات لدى الشباب المتعلم، دراسة في سيكولوجية المتعاطي، القاهرة، 1983م.
18- عطوة، عبدالعال، موقف الشريعة الإسلامية من المخدرات، الرياض، وزارة الداخلية - إدارة مكافحة المخدرات، 1394ه.
19- الفالح، سليمان، عوامل تعاطي المخدرات، دارسة للمحكوم عليهم داخل سجون الرياض، الحرس الوطني، 1409ه.